فصل: تفسير الآيات (108- 122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (90- 98):

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ (98)}
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} إلى عيدهم، فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها. كما قال الله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} مال إليها ميلة في خفية، ولا يقال: راغ حتى يكون صاحبه مخفيًا لذهابه ومجيئه، {فَقَال} استهزاء بها: {أَلا تَأْكُلُونَ} يعني: الطعام الذي بين أيديكم.
{مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} مال عليهم، {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} أي: كان يضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى على العمل من الشمال. وقيل: باليمين أي: بالقوة. وقيل: أراد به القسم الذي سبق منه وهو قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء- 57].
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} يعني: إلى إبراهيم {يَزِفُّونَ} يسرعون، وذلك أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه.
قرأ الأعمش وحمزة: {يزفون} بضم الياء وقرأ الآخرون بفتحها، وهما لغتان. وقيل: بضم الياء، أي: يحملون دوابهم على الجد والإسراع.
{قَالَ} لهم إبراهيم على وجه الحجاج: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} يعني: ما تنحتون بأيديكم.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} بأيديكم من الأصنام، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} معظم النار، قال مقاتل: بنوا له حائطًا من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعًا، وعرضه عشرون ذراعًا، وملؤوه من الحطب وأوقدوا فيه النار وطرحوه فيها.
{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} شرًا وهو أن يحرقوه، {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ} أي: المقهورين حيث سلَّم الله تعالى إبراهيم ورد كيدهم.

.تفسير الآيات (99- 102):

{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)}
{وَقَالَ} يعني: إبراهيم {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أي: مهاجر إلى ربي، والمعنى: أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضاة ربي، قاله بعد الخروج من النار، كما قال: {إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت- 26]، {سَيَهْدِينِ} إلى حيث أمرني بالمصير إليه، وهو الشام.
قال مقاتل: فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} يعني: هب لي ولدا صالحا من الصالحين.
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} قيل: غلام في صغره، حليم في كبره، ففيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش فينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} قال ابن عباس وقتادة: يعني المشي معه إلى الجبل. وقال مجاهد عن ابن عباس: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم والمعنى: بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله. قال الكلبي: يعني العمل لله تعالى، وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد، قالوا: هو العبادة لله تعالى.
واختلفوا في سنه، قيل: كان ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: كان ابن سبع سنين.
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق، فقال قوم: هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومن التابعين وأتباعهم: كعب الأحبار، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومسروق، وعكرمة، وعطاء، ومقاتل، والزهري، والسدي، وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وقالوا: كانت هذه القصة بالشام.
وروي عن سعيد بن جبير قال: أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش، ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال.
وقال آخرون: هو إسماعيل، وإليه ذهب عبد الله بن عمر، وهو قول سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن البصري، ومجاهد، والربيع بن أنس، ومحمد بن كعب القرظي، والكلبي، وهي رواية عطاء بن أبي رباح، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس، قال: المفدى إسماعيل.
وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله: {فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي} [الصافات- 101] أمره بذبح من بشره به، وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق، كما قال في سورة هود: {فبشرناها بإسحاق} [هود- 71].
ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال: {وبشرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين} [الصافات- 112] دل على أن المذبوح غيره، وأيضًا قال الله تعالى في سورة هود: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود- 71] فكما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه.
قال القرظي: سأل عمر بن عبد العزيز رجلا كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل، ثم قال: يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله تعالى بذبحه، ويزعمون أنه إسحاق.
ومن الدليل عليه: أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج.
قال الشعبي: رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.
وعن ابن عباس قال: والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة، قد وحش، يعني يبس.
قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال: يا صميع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه.
وأما قصة الذبح قال السدي: لما دعا إبراهيم فقال: رب هب لي من الصالحين، وبشر به، قال: هو إذًا لله ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له: أوف بنذرك، هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه، فقال عند ذلك، لإسحاق: انطلق فقرب قربانًا لله تعالى فأخذ سكينًا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال، فقال له الغلام: يا أبت أين قربانك؟ فقال: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر}.
وقال محمد بن إسحاق: كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة، ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام، حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته، أمر في المنام أن يذبحه، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روي في نفسه أي: فكر من الصباح إلى الرواح، أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانيًا، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عز وجل، فمن ثم سمي يوم عرفة.
قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه، فقال: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}.
قرأ حمزة والكسائي: {ترى} بضم التاء وكسر الراء- ماذا تشير، وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى، وعزيمته على طاعته.
وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء.
قال له ابنه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وقال ابن إسحاق وغيره: فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه: يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر، {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

.تفسير الآية رقم (103):

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)}
{فَلَمَّا أَسْلَمَا} انقادا وخضعا لأمر الله تعالى، قال قتادة: أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: صرعه على الأرض. قال ابن عباس: اضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين، قالوا: فقال له ابنه الذي أراد ذبحه: يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن، واشحذ شفرتك، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون عليَّ فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال له إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بني على أمر الله، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن أيضًا يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين.
ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه فلا تقطع، فشحذها مرتين أو ثلاثة بالحجر، كل ذلك لا تستطيع.
قال السدي: ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه قالوا: فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى، وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قال: لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان: لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدًا أبدًا، فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام، فقال لها: هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطبان من هذا الشعب، قال: لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت: كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك، قال: إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه، فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: نحتطب لأهلنا من هذا الشعب، قال: والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال: فليفعل ما أمره به ربه فسمعًا وطاعة، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه السلام فقال له: أين تريد أيها الشيخ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه، قال: والله إني لا أرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال: إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئًا مما أراد، قد امتنعوا منه بعون الله تعالى. وروى أبو الطفيل عن ابن عباس: أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل.
قال الله عز وجل: {فلما أسلما وتله للجبين}.

.تفسير الآيات (104- 107):

{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}
{وَنَادَيْنَاهُ} الواو في {وناديناه} مقحمة صلة، مجازه: ناديناه كقوله: {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه} [يوسف- 15] أي: أوحينا إليه، فنودي من الجبل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} والمعنى: إنا كما عفونا إبراهيم عن ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا، قال مقاتل: جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} الاختيار الظاهر حيث اختبره بذبح ابنه. وقال مقاتل: البلاء هاهنا: النعمة، وهي أن فدي ابنه بالكبش.
فإن قيل: كيف قال: صدقت الرؤيا، وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟.
قيل: جعله مصدقًا لأنه قد أتى بما أمكنه، والمطلوب إسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعلا.
وقيل: كان قد رأى في النوم معاجلة الذبح ولم ير إراقة الدم، وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم، فلذلك قال له: {قد صدقت الرؤيا}.
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن، فقال: هذا فداء لابنك فاذبحه دونه، فكبر جبريل، وكبر الكبش، وكبر ابنه، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه.
قال أكثر المفسرين: كان ذلك الكبش رعى في الجنة أربعين خريفًا.
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم هابيل.
قال سعيد بن جبير: حق له أن يكون عظيمًا. قال مجاهد: سماه عظيمًا لأنه متقبل. وقال الحسين بن الفضل: لأنه كان من عند الله. وقيل: عظيم في الشخص. وقيل: في الثواب.
وقال الحسن: ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير.

.تفسير الآيات (108- 122):

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)}
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} أي: تركنا له في الآخرين ثناءً حسنًا.
{سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} فمن جعل الذبيح إسماعيل قال: بشره بعد هذه القصة بإسحاق نبيًا جزاء لطاعته، ومن جعل الذبيح إسحاق قال: بشر إبراهيم بنبوة إسحاق. رواه عكرمة عن ابن عباس. قال: بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ.
{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ} يعني: على إبراهيم في أولاده، {وعلى إسحاق} بكون أكثر الأنبياء من نسله، {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} أي: مؤمن، {وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي: كافر، {مُبِينٌ} ظاهر.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} أنعمنا عليهما بالنبوة.
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا} بني إسرائيل، {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أي: الغم العظيم وهو الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم. وقيل: من الغرق.
{وَنَصَرْنَاهُم} يعني: موسى وهارون وقومهما، {فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} على القبط. {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} أي: المستنير وهو التوراة.
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.